مُحمَّد الورياغلي
وشكراً جزيلاً على طرح هذا النقاش الدقيق والمهم. هذه النقطة التي أثرتها ليست مجرد تفصيل لغوي، بل هي في صميم فلسفة فهم وتطبيق مجال تحسين محركات البحث (SEO).
أتفق معك تماماً في أن هناك فرقاً جوهرياً بين المصطلحين، وأن هذا الفرق يعكس منظوراً أعمق لكيفية التعامل مع هذا المجال. دعنا نفصّل الإجابة بناءً على أسئلتك المحورية.
ما هي العبارة التي تفضلونها ولماذا؟
بكل تأكيد، العبارة الأدق والأكثر صواباً من الناحية المنطقية والعملية هي:
“تحسين المواقع الإلكترونية لمحرّكات البحث”
(Website Optimization for Search Engines)
والسبب في تفضيلها هو أنها:
* تحدد الفاعل والمفعول به بوضوح: نحن (الفاعل) نقوم بالتحسين على مواقعنا (المفعول به)، والهدف هو التوافق مع متطلبات محركات البحث.
* تعكس حقيقة العمل: لا أحد منا يمتلك القدرة على “تحسين” خوارزمية جوجل أو بينغ. عملنا كله ينصب على مواقعنا الخاصة: المحتوى، البنية التقنية، الروابط الخلفية، تجربة المستخدم، إلخ.
* تضع التركيز في مكانه الصحيح: عندما نقول “نحسن الموقع”، فإن الذهن يتجه مباشرة إلى الجودة، السرعة، المحتوى المفيد، وتجربة الزائر. وهذا هو جوهر الـ SEO الحديث.
أما العبارة الشائعة “تحسين محرّكات البحث” (Search Engine Optimization)، فهي ترجمة حرفية للمصطلح الإنجليزي الذي أصبح علَماً على هذا المجال. ورغم عدم دقتها الحرفية، فقد اكتسبت معناها الاصطلاحي مع الوقت، وأصبح المتخصصون يفهمون المقصود بها ضمنياً.
هل ترون أن هذا مجرد تلاعب بالألفاظ أم أن له تأثيرًا على فهمنا وتطبيقنا لـSEO؟
لا، هو ليس مجرد تلاعب بالألفاظ، بل له تأثير حقيقي وملموس، خصوصاً على:
* المبتدئين في المجال: عندما يسمع شخص جديد مصطلح “تحسين محركات البحث”، قد يتكون لديه انطباع خاطئ بأن المجال يدور حول التحايل على الخوارزميات أو إيجاد “ثغرات” يمكن استغلالها، وكأنها معركة ضد محرك البحث.
* علاقة العميل بالمتخصص: شرح المفهوم للعميل باستخدام عبارة “سنحسن موقعك ليتوافق مع محركات البحث” يكون أكثر شفافية وواقعية. فهي توضح أن العمل سيتم على ممتلكات العميل الرقمية (موقعه) بهدف تلبية معايير خارجية (معايير جوجل).
إذن، المصطلح الأدق يضع أساساً فكرياً صحيحاً منذ البداية: نحن لا نتحايل، بل نبني ونحسن ونجوّد لنستحق الترتيب المتقدم.
هل يعكس هذا الاختلاف في الصياغة فلسفات مختلفة في العمل على السيو؟
نعم، وبشكل واضح جداً. يمكننا ربط كل عبارة بفلسفة عمل مختلفة:
1. فلسفة “تحسين محرّكات البحث” (المنظور القديم - Black Hat/Grey Hat)
هذه الصياغة، بمعناها الحرفي، تتماشى مع عقلية “هزيمة النظام” (Beating the System).
* التركيز: البحث عن طرق للتحايل على الخوارزميات، مثل حشو الكلمات المفتاحية (Keyword Stuffing)، شراء الروابط بشكل عشوائي، إخفاء النصوص (Cloaking).
* النظرة لمحرك البحث: هو خصم يجب التغلب عليه.
* النتائج: قد تكون سريعة ولكنها غير مستدامة وعرضة للعقوبات والتحديثات المفاجئة.
2. فلسفة “تحسين المواقع لمحرّكات البحث” (المنظور الحديث - White Hat)
هذه الصياغة هي جوهر الفلسفة الحديثة والمستدامة في الـ SEO.
* التركيز: فهم نية المستخدم وتقديم أفضل إجابة ومحتوى وتجربة ممكنة له. العمل على تحسين سرعة الموقع، تسهيل تصفحه، بناء سمعة رقمية موثوقة عبر روابط عالية الجودة.
* النظرة لمحرك البحث: هو وسيط بيننا وبين المستخدم. هدفنا وهدف محرك البحث واحد: إرضاء الباحث.
* النتائج: تحتاج وقتاً وجهداً، ولكنها مستدامة وتبني أصلاً رقمياً قوياً ينمو مع الوقت.
خلاصة النقاش
أتفق معك قلباً وقالباً. على الرغم من أن مصطلح “تحسين محركات البحث” هو المصطلح الشائع والمتعارف عليه، إلا أن تبني عقلية ومنهجية “تحسين المواقع من أجل محركات البحث (ومن أجل المستخدمين بالدرجة الأولى)” هو ما يفصل بين الممارسات العشوائية والاستراتيجيات الناجحة والمستدامة.
ففي النهاية، جوجل ومحركات البحث الأخرى تسعى باستمرار لتطوير خوارزمياتها لتقليد الفهم البشري للجودة. لذا، الطريق الأضمن للنجاح هو أن نجعل مواقعنا أفضل للمستخدمين، وبذلك ستصبح تلقائياً أفضل في نظر محركات البحث.
نقاش ثري جداً، ويضع النقاط على الحروف في مسألة جوهرية.